جورج أورويل هل هو توقع صحيح أم مجرد رواية ؟

"لم يعد هناك مكان آمن سوى بضعة سنتيمترات مكعبة داخل الجمجمة"

يحاول وينستون الصراخ داخل أعماقه رافضاً الحقيقة التي يزوّرها كل يوم مكرهاً. يبتئس من وضع قد ملّه وما من وسيلة أمامه ليغيره. يجد نفسه في صراع بين حقيقةٍ تتغلغل في أحشائه، تصرخ من داخله لتفصح عن واقع مزيف لا يزداد كل يوم إلا سوءاً وكذباً، رغم كل التقارير التي تُقدّم يومياً والتي تثبت عكس ذلك، إلا أن قليلاً من الوعي الداخلي وكثيراً من الجرأة مكّناه من أن يعبر لنفسه عن أفكار يرتكب من خلالها أعظم الجرائم في حقه وحق الحزب الذي يتعين عليه تمجيده لحد العبادة: جريمة الفكر!

يحاول الكتابة للمستقبل وللأجيال التي ربما قد تجد دليلاً يثبت لها أنها لا زالت على قيد التفكير، إلا أن العيون تراقبه، كحال الكثيرين غيره. شاشات الرصد تسمعه وتراه وتلاحظ كل تحركاته لتُمسك أي دليل على أي تحول طفيف في تعابير وجهه قد يخفي خلفه الكثير.

تدخل البلاد في حرب وتخرج من أخرى إلا أن شيئاً لم يتغير، ففي هذه البلاد يُحرّم على ساكنيها حتى أسمى المشاعر تجاه أقرب الناس، فيكفيك حب القائد ولا أحد سواه، كما أن ضمان بقاء الجو مشحوناً بالتوتر والخوف حتى من الأفكار، تكسر أي محاولة لالتقاء شخصين في فكرة تودي بهما إلى عمل ضد الحزب.

ورغم كل الضغوطات المطبقة على وينستون يُقدم بتصميم كبير على كسر القواعد الصارمة للحزب، وهو يعلم المصير الذي ينتظره إلا أن القوة الكامنة داخله تدفعه لما هو أكبر من ذلك ليبدأ بسلسلة من الانتهاكات ضمن أجواء الحزب، يعلم مسبقاً أن القتل سيكون العقاب المُشتهى الذي لن يتمكن من الوصول إليه، إلا أن بقاءه على قيد الإنسانية أمر يستحق التضحية من أجله حتى ولو لم يؤد ذلك إلى نتيجة، فصموده أمامهم كافٍ لإلحاق الهزيمة بهم.

كتب جورج أوريل كتابه هذا كما تخبرنا رسالته لنويل ويلميت والتي ينذر فيها بأن دُولاً شمولية بوليسية ستنشأ حيث سيصبح فيها اثنان زائد اثنين هو خمسة. يقول في رسالته المترّخة بـ18 أيار/مايو 1944 أن هتلر سيختفي قريباً، ولكن الدول التي ستنتصر عليه استبدلته بأيقونات أخرى هي ستالين في الاتحاد السوفيتي، وفاحشي الغنى في الولايات المتحدة، شخصيات على غرار دي غول على حد وصفه. فيقول أن الأمم تتجه لتشكيل حكومات غير ديموقراطية تتبع مبدأ الغائية واقتصاداتها تقوم على أنها فعّالة بغض النظر عن لا إنسانيتها.

ثم يلوم أوريل النخبة المثقفة في انجلترا فيقول بأنهم قد رفضوا هتلر ولكنهم قبلوا ستالين في المقابل، فكانوا مستعدين عندها لقبول الديكتاتورية والفاشية طالما هي على طرفنا "نحن"!

يلحق أوريل كتابه بفقرة يتكلم فيها عن النيوزسبيك، أو لغة الأخبار، وهي اللغة التي طورها الحزب، والتي يمكن تلخيص سياسته فيها بقوله "كما للتفكير أن يفسد اللغة، للغة أن تفسد التفكير".

جورج أورويل هو الاسم المستعار للكاتب البريطاني أريك آرثر بلير الذي أنهى كتابة هذه الرواية عام 1948 فعكس تاريخ كتابتها ليعنون روايته، والتي نفخ في صفحاتها أبواق النضال ضد الاستبداد، وأثبت من خلالها أنه مفكر سياسي حاذق وليس فقط أديباً فذاً، فهو لم يقف عند تحليل الفكر الاستبدادي وطريقة عمله بل تجاوز ذلك ليقدم تنبؤاً عما سيحدث في المستقبل بنظرة متكاملة.

الكتاب: 1984
تأليف: جورج أورويل
ترجمة: أنور الشامي
دار النشر: المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء المغرب
نوعية الكتاب: 351 صفحة قطع متوسط.

شكرا على تعليقك ❤